ستقام هذه البطولة الجديدة، التي تضم 32 فريقًا، كل أربع سنوات، وستأخذ شكل بطولات كأس العالم الدولية الأخيرة.
ويمثل هذا تحولًا كبيرًا عن النظام السابق، الذي كان يشهد مشاركة أبطال القارات الست إلى جانب فريق من الدولة المستضيفة، في نظام خروج مغلوب مباشر خلال منتصف الموسم الأوروبي.
وتعد هذه البطولة بداية جديدة بالكامل من الناحية الرسمية، وبالتالي لا يوجد فريق يدخلها كحامل للقب، إلا أن مانشستر سيتي كان آخر فريق فاز بالنسخة السابقة، التي تم تغيير اسمها الآن إلى كأس الإنتركونتيننتال.
وقد توجنا بذلك اللقب لأول مرة في تاريخ النادي في ديسمبر 2023، لنحقق الخماسية خلال عام ميلادي واحد.
وجاءت مشاركتنا في تلك البطولة، إلى جانب السوبر الأوروبي في الصيف نفسه، وكأس العالم للأندية هذا الصيف، جميعها نتيجة التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا في إسطنبول.
وكان ذلك الإنجاز التاريخي في حد ذاته، وتلك الليلة الشهيرة أمام إنتر، مسك الختام لثلاثية تاريخية في موسم 2022/23، إنجاز يُعد هو الأعظم في تاريخ النادي الطويل والحافل.
بعد ستة أشهر فقط، كنا على موعد مع رفع لقب كبير آخر للمرة الأولى، وأول تتويج كبير لنا خارج القارة الأوروبية.
لكن قبل الوصول إلى تلك اللحظة، كان علينا تجاوز مواجهات صعبة أمام أفضل أندية آسيا وأمريكا الجنوبية.
تحرك فريق بيب جوارديولا نحو مدينة جدة السعودية في 16 ديسمبر 2023، وسط الكثير من التساؤلات حول مسار موسمنا 2023/24.
ففي وقت سابق من نفس اليوم، فرطنا في التقدم بهدفين أمام كريستال بالاس، لينتهي اللقاء بتعادل هو الرابع لنا في آخر ست مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز.
وقد جاء هدف التعادل للخصم من ركلة جزاء في الدقيقة 95، ما جعل تلك الأمسية في ملعب الاتحاد محبطة للغاية، وأدى إلى تراجع الآمال في تحقيق لقب رابع على التوالي في الدوري، وهو ما كان سيعد إنجازًا غير مسبوق.
وربما كان الابتعاد عن ضغوط المنافسة المحلية هو العلاج المناسب الذي كنا نحتاجه للانطلاق بقوة في النصف الثاني من الموسم.
وبينما ودع الفريق أجواء الشتاء في إنجلترا، وجد نفسه في دفء الشمس في السعودية، حيث قضى اللاعبون أول يومين في التكيّف مع الأجواء الجديدة.
بعد الحصص التدريبية، بدا أن الوقت الإضافي الذي قضاه اللاعبون معا داخل مقر الإقامة بالفندق قد ترك أثرًا إيجابيًا وجمع الفريق في اللحظة المناسبة من الموسم.
وكان فريق أوراوا ريد دايموندز الياباني، بطل دوري أبطال آسيا، أول خصومنا في نصف النهائي، بعد أن تجاوزوا ممثل الكونكاكاف، نادي ليون المكسيكي.
دخلنا مواجهة نصف النهائي ونحن نعلم أن نادي فلومينينسي البرازيلي سيكون في انتظارنا في النهائي، بعد فوزه في الليلة السابقة على الأهلي المصرى.
استضاف استاد مدينة الملك عبدالله الرياضية، الذي تم افتتاحه في عام 2014 ويعد من أحدث الملاعب، مباريات نصف النهائي والنهائي، وقبيل انطلاق المباريات، أُقيم عرض ضوئي مبهر أضفى طابعًا خاصًا على دخول اللاعبين إلى أرض الملعب.
حضر أكثر من 40,000 مشجع مباراة نصف النهائي، من بينهم مجموعة صغيرة من جماهير السيتي المقيمين في مانشستر، الذين انتهزوا الفرصة للاستمتاع ببعض شمس الشتاء.
ولم تبدو الأجواء الرطبة المعتادة عائقًا أمامنا في مواجهة أوراوا ريد دايموندز، حيث سيطر فريق بيب على الثلث الأخير من الملعب طوال الشوط الأول.
لكن لم يأتِ الهدف الأول إلا في الوقت المحتسب بدل الضائع من الشوط الأول، عندما حول المدافع ماريوس هويبراتن عرضية ماتيوس نونيز الأرضية القوية بالخطأ في مرماه.
منذ تلك اللحظة، لم يكن هناك أي شك في النتيجة، حيث ضاعف كوفاسيتش التقدم بعد سبع دقائق فقط من انطلاق الشوط الثاني، بعدما اخترق الدفاع ببراعة وسدد كرة قوية في سقف الشباك.
ولم يتأخر الهدف الثالث، حيث أضاف بيرناردو سيلفا هدفًا بعد تسديدة انحرفت عن مسارها لتُخادع حار المرمى.
بشكل عام، كانت ليلة ناجحة بكل المقاييس.
أقيمت المباراة النهائية بعد ثلاثة أيام، وكان في انتظارنا فريق فلومينينسي، الذي يضم عدة أسماء معروفة للجماهير الأوروبية، ويتميز بأسلوب لعب نال استحسانًا واسعًا.
وكان مدرب الفريق، فيرناندو دينيز، قد اكتسب سمعة كبيرة بفضل أسلوبه الهجومي والسلس، لدرجة أن هذا الأسلوب أُطلق عليه لقب “دينيزيسمو”، واعتبر نسخة حديثة من أسلوب الكرة البرازيلية الذي خطف أنظار العالم لأول مرة.
وبينما تجاوز كل من مارسيلو، فيليبي ميلو، وجانسو ذروة مسيرتهم الكروية التي قضوها في أوروبا، كان العبء البدني الأكبر في وسط الملعب يقع على عاتق الثنائي الشاب أندريه وماتيوس مارتينيلي.
تبددت آمال الفريق البرازيلي في تحقيق بداية قوية سريعًا، عندما افتتح جوليان ألفاريز التسجيل لصالح السيتي بعد 30 ثانية فقط من صافرة البداية.
كان النجم الأرجنتيني الأسرع في متابعة تسديدة ناثان آكي التي ارتدت من القائم، ليتابعها بصدره داخل الشباك.
ظن فلومينينسي أنه حصل على ركلة جزاء بعد ذلك بقليل، لكن المهاجم السريع جيرمان كانو كان متسللًا.
وبدلًا من ذلك، ضاعف السيتي التقدم سريعًا بعدما تحولت عرضية فيل فودين إلى داخل مرمى الفريق البرازيلي عن طريق القائد نينو بالخطأ في مرماه.
تألق إيدرسون بتصدي رائع لإبعاد ضربة رأس قوية قبيل نهاية الشوط الأول، لكن السيطرة كانت لنا تمامًا بعد ذلك، حيث اقترب كل من بيرناردو وفودين من التسجيل، قبل أن ينجح الأخير في تحويل عرضية منخفضة من ألفاريز إلى هدف ثالث.
واختتمت المباراة بطريقة رائعة بعدما أظهر ألفاريز لمسة سريعة وإنهاءًا مميزًا ليسجل الهدف الرابع.
أطلقت صافرة النهاية مشاعر فخر هائلة في السعودية، تزامنت مع لحظة رمزية مؤثرة في مانشستر، حيث كشف عن لافتة ضخمة على جانب ملعب الاتحاد كِتب عليها: “أفضل فريق في البلاد والعالم أجمع”.
وقبل أن نرفع لقبًا آخر نضيفه إلى خزائننا، حان الوقت لتتويج رودري بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في البطولة.
كما شكل هذا التتويج لحظة تاريخية جديدة لبيب جوارديولا، الذي أصبح أول مدرب في التاريخ يحقق لقب كأس العالم للأندية أربع مرات.
وعبر بيب عن شعوره قائلًا: “عندما أغلق هذا الفصل، فإنما أفعل ذلك مدركًا أن خلفه ثماني سنوات من العمل الرائع خلف الكواليس، ما حققناه لا يصدق، إنه يوم جميل، لم أكن لأتخيل أبدًا، عندما وصلت إلى مانشستر، أننا سنحقق كل ما حققناه معًا، من ألقاب وإنجازات، وأن نصل إلى التتويج بكأس العالم للأندية في السعودية.”
ثم جاءت اللحظة المنتظرة: رفع الكأس عالياً وإطلاق الألعاب النارية التي أضاءت سماء جدة ليلًا.
وهكذا، عاد السيتي إلى شتاء إنجلترا بروح جديدة، منتعشًا ومستعدًا لخوض غمار رحلة ناجحة أخرى نحو لقب الدوري الإنجليزي الممتاز.
ورغم أننا لن نواجه فلومينينسي أو أوراوا ريد دايموندز هذا العام قبل ربع النهائي على أقرب تقدير، إلا أن الفريق سيحمل معه الكثير من تلك التجربة، التي جمعته بثقافات كروية عالمية مختلفة، ليخوض بها هذه البطولة الممتدة على مدار شهر كامل.